الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
هذا قول أهل اللغة، قال مقاتل: تنزع النار الهامة والأطراف فلا تترك لحما ولا جلدا إلا أحرقته، وقال سعيد بن جبير: العصب والعقب ولحم الساقين واليدين، وقال ثابت البناني: لمكارم وجه بني آدم.واعلم أن النار إذا أفنت هذه الأعضاء، فالله تعالى يعيدها مرة أخرى، كما قال: {كُلّما نضِجتْ جُلُودُهُمْ بدلناهم جُلُودا غيْرها لِيذُوقُواْ العذاب} [النساء: 56].{تدْعُو منْ أدْبر وتولّى (17) وجمع فأوْعى (18)} فيه مسألتان:المسألة الأولى:اختلفوا في أن لظى كيف تدعو الكافر، فذكروا وجوها:أحدها: أنها تدعوهم بلسان الحال كما قيل: سل الأرض من أشق أنهارك، وغرس أشجارك؟ فإن لم تجبك جؤارا، أجابتك اعتبارا فههنا لما كان مرجع كل واحد من الكفار إلى زاوية من زوايا جهنم، كأن تلك المواضع تدعوهم وتحضرهم.وثانيها: أن الله تعالى يخلق الكلام في جرم النار حتى تقول صريحا: إلى يا كافر، إلى يا منافق، ثم تلتقطهم التقاط الحب.وثالثها: المراد أن زبانية النار يدعون فأضيف ذلك الدعاء إلى النار بحذف المضاف.ورابعها: تدعو تهلك من قول العرب دعاك الله أي أهلكك، وقوله: {منْ أدْبر وتولى} يعني من أدبر عن الطاعة وتولى عن الإيمان {وجُمِع} المال {فأوْعى} أي جعله في وعاء وكنزه، ولم يؤد الزكاة والحقوق الواجبة فيها فقوله: {أدْبر وتولى} إشارة إلى الإعراض عن معرفة الله وطاعته، وقوله: {وجمع فأوْعى} إشارة إلى حب الدنيا، فجمع إشارة إلى الحرص، وأوعى إشارة إلى الأمل، ولا شك أن مجامع آفات الدين ليست إلا هذه. اهـ.
الفُتاتُ القِطع.والعِهْنُ الصوفُ الأحمر؛ واحده عِهْنة.وقيل: العهْنُ الصوف ذو الألوان؛ فشبّه الجبال به في تلوُّنها ألوانا.والمعنى: أنها تلين بعد الشدّة، وتتفرق بعد الاجتماع.وقيل: أوّل ما تتغير الجبال تصير رمْلا مهِيلا، ثم عِهْنا منفوشا، ثم هباء مُنْبثا.{ولا يسْألُ حمِيمٌ حمِيما} أي عن شأنه لشغل كل إنسان بنفسه، قاله قتادة.كما قال تعالى: {لِكُلِّ امرئ مِّنْهُمْ يوْمئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 37].وقيل: لا يسأل حميم عن حميم، فحذف الجار ووصل الفعل.وقراءة العامة {يسأل} بفتح الياء.وقرأ شيبة والبزِّي عن عاصم {ولا يُسأل} بالضم على ما لم يسم فاعله، أي لا يُسأل حميم عن حميمه ولا ذو قرابة عن قرابته، بل كل إنسان يسأل عن عمله.نظيره: {كُلُّ نفْسٍ بِما كسبتْ رهِينةٌ} [المدثر: 38].قوله تعالى: {يُبصّرُونهُمْ} أي يرونهم.وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس.فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه؛ لاشتغالهم بأنفسهم.وقال ابن عباس: يتعارفون ساعة ثم لا يتعارفون بعد تلك الساعة.وفي بعض الأخبار: أن أهل القيامة يفِرّون من المعارف مخافة المظالم.وقال ابن عباس أيضا: {يُبصّرُونهُمْ} يبصر بعضهم بعضا فيتعارفون ثم يفرّ بعضهم من بعض.فالضمير في {يُبصّرُونهُمْ} على هذا للكفار، والميم للأقرباء.وقال مجاهد: المعنى يبصّر الله المؤمنين الكفار في يوم القيامة؛ فالضمير في يبصرونهم للمؤمنين، والهاء والميم للكفار.ابن زيد: المعنى يبصر الله الكفار في النار الذين أضلّوهم في الدنيا؛ فالضمير في {يُبصّرُونهُمْ} للتابعين، والهاء والميم للمتبوعين.وقيل: إنه يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله وقيل {يبصرونهم} يرجع إلى الملائكة؛ أي يعرفون أحوال الناس فيسوقون كلّ فريق إلى ما يليق بهم.وتم الكلام عند قوله: {يُبصّرُونهُمْ}.ثم قال: {يودُّ المجرم} أي يتمنى الكافر.{لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ} يعني من عذاب جهنم بأعزّ من كان عليه في الدنيا من أقاربه فلا يقدر.ثم ذكرهم فقال: {بِبنِيهِ}.{وصاحِبتِهِ} وزوجته.{وأخِيهِ}.{وفصِيلتِهِ} أي عشيرته.{التي تُؤْوِيهِ} تنصره؛ قاله مجاهد وابن زيد.وقال مالك: أمّه التي تُربِّيه.حكاه الماورديّ ورواه عنه أشهب.وقال أبو عبيدة: الفصِيلة دون القبيلة.وقال ثعلب: هم آباؤه الأدنون.وقال المبرد: الفصيلة القطعة من أعضاء الجسد، وهي دون القبِيلة.وسُمِّيت عتْرة الرجل فصيلته تشبيها بالبعض منه.وقد مضى في سورة (الحجرات) القول في القبيلة وغيرها.وهنا مسألة، وهي: إذا حبس على فصيلته أو أوصى لها فمن ادعى العموم حمله على العشِيرة، ومن ادعى الخصوص حمله على الآباء؛ الأدنى فالأدنى.والأوّل أكثر في النطق.والله أعلم.ومعنى: {تُؤْويه} تضمه وتؤمّنه من خوف إن كان به.{ومن فِي الأرض جمِيعا} أي ويودّ لوفُدِي بهم لافتدى {ثُمّ يُنجِيهِ} أي يخلصه ذلك الفداء.فلا بد من هذا الاضمار، كقوله: {وإِنّهُ لفِسْقٌ} أي وإن أكله لفِسق.وقيل: {يودُّ الْمُجرِمُ} يقتضي جوابا بالفاء؛ كقوله: {ودُّواْ لوْ تُدْهِنُ فيُدْهِنُون}.والجواب في هذه الآية {ثُمّ يُنْجِيِه} لأنها من حروف العطف؛ أي يوّد المجرم لو يفتدى فينجيه الافتداء.{كلّا إِنّها لظى (15)}قوله تعالى: {كلاّ} تقدّم القول في {كلاّ} وأنها تكون بمعنى حقا، وبمعنى لا.وهي هنا تحتمل الأمرين؛ فإذا كانت بمعنى حقا كان تمام الكلام {يُنجيهِ}.وإذا كانت بمعنى لا كان تمام الكلام عليها؛ أي ليس ينجيه من عذاب الله الافتداء ثم قال: {إِنّها لظى} أي هي جهنم؛ أي تتلظّى نيرانها؛ كقوله تعالى: {فأنذرْتُكُمْ نارا تلظى} [الليل: 14] واشتقاق لظي من التلظيِّ.والتِظاءُ النار التهابها، وتلظّيها تلهُّبها.وقيل: كان أصلها (لظظ) أي مادامت لدوام عذابها؛ فقلبت إحدى الظائين ألفا فبقيت لظى.وقيل: هي الدركة الثانية من طبقات جهنم.وهي اسم مؤنث معرفة فلا ينصرف.{نزّاعة للشوى} قرأ أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه والأعمش وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ {نزّاعةٌ} بالرفع.وروى أبو عمرو عن عاصم {نزّاعة} بالنصب.فمن رفع فله خمسة أوجه: أحدها أن تجعل {لظى} خبر (أن) وترفع {نزاعة} بإضمار هي؛ فمن هذا الوجه يحسن الوقف على {لظى}.والوجه الثاني أن تكون {لظى} و{نزاعة} خبران لإن.كما تقول إنه خلق مخاصم.والوجه الثالث أن تكون {نزاعة} بدلا من {لظى} و{لظى} خبر (أن).والوجه الرابع أن تكون {لظى} بدلا من اسم (أن) و{نزاعة} خبر (أن).والوجه الخامس أن يكون الضمير في {إنها} للقصة، و{لظى} مبتدأ و{نزاعة} خبر الابتداء والجملة خبر (أن).والمعنى: أن القصة والخبر لظى نزاعة للشّوى.ومن نصب {نزاعة} حسن له أن يقف على {لظى} وينصب {نزاعة} على القطع من {لظى} إذ كانت نكرة متصلة بمعرفة.ويجوز نصبها على الحال المؤكدة؛ كما قال: {وهُو الحق مُصدِّقا} [البقرة: 19].ويجوز أن تنصب على معنى أنها تتلظى نزاعة؛ أي في حال نزعها للشّوى.والعامل فيها ما دل عليه الكلام من معنى التلظي.ويجوز أن يكون حالا؛ على أنه حال للمكذبين بخبرها.ويجوز نصبها على القطع؛ كما تقول: مررت بزيد العاقل الفاضل.فهذه خمسة أوجه للنصب أيضا.والشّوى: جمع شواة وهي جلدة الرأس.قال الأعشى: وقال آخر: القتير: الشّيب.وفي الصّحاح: والشوى: جمع شواة وهي جلدة الرأس.والشّوى: اليدان والرجلان والرأس من الآدميين، وكل ما ليس مقتلا.يقال: رماه فأشواه إذا لم يصب المقتل.قال الهُذليّ: يقول: إن من القول كلمة لا تشوِي ولكن تقتل.قال الأعشى: قال أبو عبيد: أنشدها أبو الخطاب الأخفش أبا عمرو بن العلاء فقال له: صحّفت! إنما هو سراتُه؛ أي نواحيه فسكت أبو الخطاب ثم قال لنا: بل هو صحّف، إنما هو شواته.وشوى الفرس: قوائمه؛ لأنه يقال: عبْل الشّوى، ولا يكون هذا للرأس؛ لأنهم وصفوا الخيل بإسالة الخدين وعِتقِ الوجه وهو رِقّته.والشّوى: رُذال المال.والشّوى: هو الشيء الهيّن اليسير.وقال ثابت البُنانيّ والحسن: {نزّاعة للشوى} أي لمكارم وجهه.أبو العالية: لمحاسن وجهه.قتادة: لمكارم خلقته وأطرافه.وقال الضّحاك: تفْرِي اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئا.وقال الكسائي: هي المفاصل.وقال بعض الأئمة: هي القوائم والجلود.قال آمرؤ القيس: وقال أبو صالح: أطراف اليدين والرجلين.قال الشاعر: يعنى أطرافها.وقال الحسن أيضا: الشّوى الهام.{تدْعُو منْ أدْبر وتولى} أي تدعو لظى من أدبر في الدنيا عن طاعة الله وتولّى عن الإيمان.ودعاؤها أن تقول: إلى يا مشرك، إلى يا كافر.وقال ابن عباس: تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح: إلى يا كافر، إلى يا منافق، ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحبّ.وقال ثعلب: {تدْعُو} أي تهلك.تقول العرب: دعاك الله؛ أي أهلكك الله.وقال الخليل: إنه ليس كالدعاء (تعالوا) ولكن دعوتها إياهم تمكنها من تعذيبهم.وقيل: الداعي خزنة جهنم؛ أضيف دعاؤهم إليها.وقيل هو ضرب مثل؛ أي إن مصير من أدبر وتولّى إليها؛ فكأنها الداعية لهم.ومثله قول الشاعر: العضيض الأبكم: الذباب.وهو لا يدعو وإنما طنينه نبّه عليه فدعا إليه.قلت: القول الأول هو الحقيقة؛ حسب ما تقدّم بيانه بآي القرآن والأخبار الصحيحة.القشيريّ: ودعاء لظى بخلق الحياة فيها حين تدعو، وخوارق العادة غدا كثيرة.{وجمع فأوعى} أي جمع المال فجعله في وعائه ومنع منه حق الله تعالى؛ فكان جموعا منوعا.قال الحكم: كان عبد الله بن عُكيم لا يربط كيسه ويقول سمعت الله يقول: {وجمع فأوعى}. اهـ.
|